Minggu, 05 Juni 2011

فقه الواقع

أولا: التركيبة (فقه الواقع) مركبة من كلمتين (فقه) و(الواقع)، وكل كلمة من هاتين الكلمتين كانت مستعملة عند السلف الصالح رضي الله عنهم، فكانوا يستعملون كلمة (فقه)، وكانوا يستعملون كلمة (الواقع)، ومع ذلك فهم لم يجعلوا الواقع عندهم هو الواقع المراد عند هذه الإضافة.
والواقع: هو ما يقع من الأحداث والأمور في الناس.
السلف لم يركبوا هذا التركيب مع وجود الكلمتين عندهم، فلم يضيفوا (الفقه) إلى (الواقع)، فلم يقولوا (فقه واقع).
قالوا: فقه الكتاب، فقه السنة، ونحو ذلك، الفقه الأكبر؛ يعني العقيدة، أما فقه الواقع فلم يرد عندهم.
فكان بهذا مع عدم تسمية معرفة الواقع بفقه الواقع، مع أن العلماء أعرضوا عنه أربعة عشر قرنا، كان هذا دليلا على أن هذه التسمية محدثة «وكل محدثة بدعة»؛ لأنها متصلة بالشريعة، ولا يخفى على كل واحد منكم أن فقه الواقع عند من يسميه بذلك له مساس بالأحكام الشرعية.
فتبين من هذا أن تركيبة الكلمتين لم ترد عند السلف مع وجود كل واحدة من الكلمتين عندهم.
ما الذي كان عند السلف؟ وما الذي كان عند أهل العلم؟
كان عندهم أن المفتي والحاكم لا يفتي ولا يحكم في المسائل الشرعية إلا بعد أن يعرف واقعَ المسألة المسؤول عنها، فإذا سُئل عن شيء لا يجوز له أن يفتي أو يحكم بدون أن يتصورها، ولهذا جاء في بعض مسائل كتاب التوحيد أن إمام الدعوة رحمه الله تعالى قال: وفيها فهم الصحابة للواقع. يعني بذلك فهمه لواقع الناس وما يسألون عنه، لا يُسأل عن مسألة وهو لا يعرف ما يريد الناس بها، يُستغفل! لا، لكن إذا سئل يعرف هذه المسألة تصورا، فإذا كانت المسألة مثلا في الفقه يعرف صورتها الفقهية، هذا معلوم عند أهل العلم، بل قالوا: الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
والواقع قسمان:
واقع له أثر في الأحكام الشرعية.
وواقع لا أثر له في الأحكام الشرعية.
فليس كل ما يقع بين الناس، وما يجعله الله جل وعلا في أرضه، ليس كل ذلك مؤثرا في الأحكام الشرعية، أو تبنى عليه الأحكام الشرعية.
القسم الأول: الواقع الذي تبنى عليه الأحكام الشرعية وفهم المسألة وصورتها وما تتنزل عليه.
الثاني: ما يتصل بالمسألة مما ليس له أثر في الحكم الشرعي، هذا واقع لا أثر له.
مثلا القاضي يأتيه خصمان يتخاصمان في مسألة، يقول الأول كلاما في ربع ساعة طويل، ويأتي الثاني يقول كلاما في ربع ساعة أيضا طويل، القاضي كل هذا الذي ذكره الخصمان واقع وقع، لكن القاضي لا يقيد منه في سجلِّه -يعني سيبني عليه الحكم- إلا ثلاث كلمات أو أربع؛ لأنها هي المؤثرة في الحكم الشرعي.
كذلك المستفتي تأتي تستفتي أحد العلماء، وتقصّ عليه قصة طويلة، ويجيبك بمسألتين، ثلاث، تقول: لا، شيخ كان كذا وكذا. يقول: ولو كان هذا ما له أثر. وهو واقع صحيح عندك أنه واقع، ربما يكون مؤثرا لكنه عند العالم ليس مؤثرا في الحكم الشرعي.
فإذن ليس كل ما وقع في الناس، أو ما يقع في الدنيا مؤثرا في الأحكام الشرعية، وعليه فإنما يجب على العلماء أن يعرفوا الواقع الذي تنبني عليه الأحكام الشرعية.
الآن هذه الكلمة (فقه الواقع) يُعنى بها معرفة أحوال الناس والمسلمين والأعداء، وما يعدّون له، وما يخططون ونحو ذلك من علوم كثيرة، وهذا لاشك أنه كعلم –مع اعتراض على التسمية- كعلم مطلوب، أن يعرف في الأمة طائفة هذه الأمور، وهذا من أجناس فروض الكفايات كالعلوم المختلفة: علم السياسة، وعلم الفيزياء، والكيمياء، والجبر، والهندسة، ونحو ذلك، هذا من جنس العلوم تلك، فمعرفتها لا بد أن تكون في الأمة، لكن تلك معرفة وليس بفقه، معرفة لأن الفقه هو فهم الأمور، الفقه هو الفهم ﴿مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ﴾[هود:91]، يعني ما نفهم كثيرا مما تقول، ولا يدعي من يتابع أحوال العالم من طلبة العلم المعتنين بذلك ونحو ذلك، لا يدعون أنهم يفهمون ما سيجري من الأحداث، ولهذا التسمية بفقه واقعا أيضا ليست بصحيحة؛ لأن حقيقة ما يرومون هو معرفة ما يقال وما يكتب، وهذا أقل من الفقه بكثير.
هنا هذه الأشياء قلنا لابد أن يكون في الأمة من يعرف، فهي من جنس العلوم الكفائية، وقد نبّه على ذلك الشيخ ناصر الدين الألباني حين عرض لهذه المسألة.
إذا تقرر هذا فإنه باتفاق أهل العلم: العلوم الكفائية لا يخاطب بها عامة الناس؛ لأنها ليست مُصلحة لدينهم، بل إنها تشغلهم عما هو أولى لهم، أرأيت لو أن محاضرا أتى عندنا اليوم ففسحنا له الدرس، وقلنا حدث الإخوة في نظرية أينشتاين النسبية، كونه يوجد في الأمة من يعلم ذلك في تخصص الفيزياء لا بأس، لكن هل تحدَّثون بذلك، هذا لا شك أنه من الكفائيات التي لا تناسبكم، وإذا عرفتموها عرفتم علما.
هل يصدق هذا على واقع الناس وعلى مخططات الأعداء أم لا؟
ذكر مخططات الأعداء يفيد الشباب، وذكر أحوال المسلمين يفيد الشباب من جهة، ويضرهم من جهات أخر:
يفيدهم من جهة أنه يحيي في نفوسهم الارتباط بالإسلام، ويحيي في نفوسهم بغض الكفرة والمشركين، ويحيي في نفوسهم أخذ الحذر من الأعداء ونحو ذلك، وهذه مصلحة مطلوبة.
ومن جهات أخر يقود الشباب إلى أن يُربوا على غير التربية السلفية التي نبْعها ومصدرها القرآن والسنة، وبالتجربة وجدنا أنّ من انشغل بتلك الأمور انشغل أشهرا بل ربما سنوات، وإذا سألته اليوم ماذا حصّلت؟ يقول لم أحصل شيء.
وأحد ممن أثق بهم ممن يعتنون بهذا الأمر يقول: تتبعت جميع المجلات، وتتبعت جميع الجرائد لأخرج بفهم لما سيجري في المستقبل من أنواع السياسات والمخططات المستقبلية، قال: فوجدت كل ما قرأت لا يعطي صورة عن المستقبل.
وقد سئل بعض الوزراء البريطانيين عن السياسة: ما تعريفها؟ قال: أصح تعاريفِها أن السياسة هي الكذب.
وهذا ينبني عليه فهمنا إلى أن الانشغال بهذه الأمور لن تحصّل من ورائها طائلا، بل إنه يصدك عمّا يجب أن تربي نفسك عليه وما تربي أحبابك عليه.
إذا نظرت وتأملت في هذا الكلام، وجدت أنه يمثل الواقع، الناس يعطون -الشباب والمسلمون بعامة- يعطون ما ينفعهم في هذا الأمر، لكنه مع أصوله الشرعية؛ يعني عِداء اليهود والنصارى لنا تقرأ فيه الآيات؛ آيات الولاء والبراء، وما فعله أولئك في أعظم أمر وهو أنهم أشركوا بالله جل وعلا وسبوا الله جل وعلا أعظم مسبّة، وهذا كاف في أن يجعل المؤمن الموحد مبغضا لهم كارها لهم.
معرفة الأحوال وما يجري بين الناس لا يُنقص من جهله، لا ينقص من جهله؛ بمعنى الأحوال الدنيوية، ألم ترَ إلى قصة سليمان عليه السلام حيث كان بجواره دولة ومملكة سبأ، وملكتها بلقيس، وكان عندها من الدنيا ما عندها، وبجواره، ولها من القوة ما لها، ومع ذلك لم يعلم شيئا عنها، ولم يُطلَع من الله جل وعلا على شيء من أخبارها، إذْ أن ذلك ليس له أثر في تبليغ رسالات الله، وإنما بلغه الهدهد بأمر يتعلق بالعقيدة، فقال الهدهد ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾[النمل:22]، هذا النبأ الذي اعتنى به الهدهد قال ﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ(22)إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾[النمل:22-23] هذا كالمقدمة، ﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾[النمل:23]...
وصلى الله وبارك على نبينا محمد.
لفضيلة الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله تعالى
)
مختارة من: شرح مسائل الجاهلية, إعداد/ الأخ سالم الجزائري(

Selasa, 17 Mei 2011

حكم الإسبال

الباب الأول : تعريف الإسبال :
الإسبال هو الإرخاء والإرسال من غير تقيد .
[لسان العرب (6/163) طبعة دار إحياء التراث ، والمصباح المنير (ص134) طبعة دار الغد الجديد ، ومختار القاموس (ص248) طبعة الدار العربية ، ومختار الصحاح (ص156) طبعة دار الغد الجديد] .

الباب الثاني : حكم الإسبال للخيلاء :

إذا كان الإسبال للخيلاء فلا خلاف عند الفقهاء في تحريمه وذلك لثبوت أحاديث كثيرة فيها وعيد لكل مسبل أسبل لأجل الخيلاء .
[ أنظر الفتاوى الهندية (5/333) طبعة دار الفكر ، والمجموع (3/176) طبعة دار الفكر ، والمغني (2/298) طبعة دار الهجرة] .

بل إن العلماء أعدوه كبيرة من كبائر الذنوب .
[أنظر الزواجر عن اقتراف الكبائر للإمام إبن حجر الهيتمي (1/351) الكبيرة (109) طبعة دار الحديث ، والكبائر للإمام الذهبي (ص388) طبعة مكتبة الفرقان] .

واستدلوا على أنه محرم وأنه من كبائر الذنوب بما يلي :
أولاً : حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة))
[رواه البخاري في صحيحه (3/96) (5783) كتاب اللباس ، باب من جر إزاره من غير خيلاء ، طبعة مكتبة الصفا ، ومسلم (5/14) (2085) كتاب الزينة واللباس ، باب تحريم جر الثوب خيلاء ، طبعة دار الريان للتراث ، ومالك في الموطأ (1648) (ص537) كتاب اللباس ، باب ما جاء في إسبال الرجل ثوبه ، طبعة مكتبة الصفا ، والنسائي في سننه (5338) (ص844) كتاب الزينة ، التغليظ في جر الإزار ، طبعة دار الكتب العلمية] .

ثانياً : حديث جابر بن سليم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((إياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة ... ))
[رواه أبي داود في سننه (11/139) (3562) ما جاء في إسبال الإزار ، طبعة دار الفكر ، وصححه ابن القيم في زاد المعاد (2/420) طبعة مؤسسة الرسالة] .

ثالثاً : حديث هُبيب بن مغفل رضي الله عنه أنه قال سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((من وطئه خيلاء وطئه في النار))
[رواه أحمد في مسنده (3/237) طبعة دار صادر ، وصححه الهيتمي في مجمع الزوائد (5/218) طبعة دار الفكر ، وصححه المنذري في الترغيب والترهيب (3/132) (13) طبعة دار الفجر للتراث ، وحسنه أحمد شاكر في تحقيق المسند (12/246) (15544) طبعة دار الحديث ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6592) طبعة المكتب الإسلامي] .

قال إبن عثيمين :
\"الذي يجرُ ثوبه خيلاء فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له أربع عقوبات والعياذ بالله لا يكلمه الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليه (يعني نظرة رحمة) ولا يُزكيه ، وله عذابٌ أليم ... أربع عقوبات يُعاقب بها المرءُ إذا جر ثوبه خيلاء\"
[شرح رياض الصالحين (2/475) طبعة مكتبة الصفا] .

الباب الثالث : حكم الإسبال لغير الخيلاء :

إذا كان الإسبال لغير الخيلاء ، بمعنى أن المسلم يُرخي لباسه متجاوزاً الحد المقرر شرعاً ، بسبب تساهل منه أو زيٌ متعارف عليه في بلده ، لكنه لا يقصد بذلك الكبر ولا البطر ولا الرياء ...
ففي هذه الحالة اختلف العلماء في حكمه على قولين :

القول الأول : أن ذلك حرام .
وهذا رواية عند الحنابلة [الآداب الشرعية (3/521) طبعة مكتبة ابن تيمية] ، ومذهب الظاهرية [المحلى (4/73) طبعة دار التراث] .
واستدلوا :
استدل أصحاب هذا القول على أن الأحاديث التي تدل على تحريم الإسبال جاءت على ثلاثة أنواع :

النوع الأول : أحاديث جاءت بالوعيد بالنار للمسبل من غير تقييد ذلك بالخيلاء وهي :
1. حديث أبي هريرة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار))
[رواه البخاري في صحيحه (3/96) (5787) كتاب اللباس ، باب ما أسفل الكعبين فهو في النار ، طبعة مكتبة الصفا ، والنسائي في سننه (5341) (844) كتاب الزينة ، ما تحت الكعبين من الإزار ، طبعة دار الكتب العلمية] .

2. حديث أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ((وما أسفل من ذلك (الإزار) ففي النار))
[رواه مالك في الموطأ (1649) (537) كتاب اللباس ، باب ما جاء في إسبال الرجل ثوبه ، طبعة مكتبة الصفا ، وصححه البغوي في شرح السنة (12/12) طبعة المكتب الإسلامي ، والنووي في المجموع (4/456) طبعة دار الفكر] .
قال الخطابي :
\"قوله ففي النار يتأول على وجهين أحدهما أن ما دون الكعبين من قدم صاحبه في النار عقوبة له على فعله ، والوجه الأخر أن يكون معناه أن صيغة ذلك وفعله الذي فعله في النار على معنى أنه معدود ومحسوب من أفعال أهل النار\"
[معالم السنن (4/183) طبعة المكتبة العلمية] .

النوع الثاني : الأحاديث التي جاءت بالنهي عن الإسبال مُطلقاً من غير تقييد لذلك الإسبال بأنه من الخيلاء ومنها :
1. حديث جابر بن سليم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((إياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة ... ))
[رواه أبي داود في سننه (11/139) (3562) ما جاء في إسبال الإزار ، طبعة دار الفكر ، وصححه ابن القيم في زاد المعاد (2/420) طبعة مؤسسة الرسالة] .
2. حديث المغير بن شعبة أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقول لسفيان بن أبي سهل ((لا تسبل إزارك فإن الله لا يحبُ المسبلين))
[رواه ابن ماجه في سننه (2/372) باب موضع الإزار أين هو ، طبعة دار الجيل ، وإبن حبان في صحيحه (12/259) ذكر الزجر عن إسبال المرء إزاره ، طبعة مؤسسة الرسالة ، وصححه البوصيري في مصباح الزجاجة (ص467) طبعة دار الكتب العلمية ، والألباني في الصحيحة (3081) (ص559) طبعة مكتبة المعارف] .
الشاهد من الحديثين السابقين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإسبال مُطلقاً ولم يقيده هنا بالخيلاء .
قال إبن حجر :
\"وبين عليه السلام من حديث جابر بن سليم رضي الله عنه أن الإسبال من المخيلة ، وذلك لأن الإسبال يستلزم جر الثوب ، وجر الثوب يستلزم الخيلاء ، ولو لم يقصد اللابس الخيلاء\"
[فتح الباري (10/264) طبعة دار الفكر] .

النوع الثالث : الأحاديث التي فيها الأمر برفع الإزار فوق الكعبين ومنها :
1. حديث الشريد بن السويد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل يجر إزاره ((ارفع إزارك واتق الله)) فقال الرجل إني أحنف فقال ((ارفع إزارك فكل خلق الله حسن))
[رواه أحمد في مسنده (4/390) طبعة دار صادر ، وصححه الألباني في الصحيحة (3010) (ص550) طبعة مكتبة المعارف ، وفي الثمر المستطاب (1/273) طبعة غراس للنشر] .
2. حديث عبد الله بن عمر أنه مرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاره استرخاء فقال له ((يا عبد الله إرفع إزارك)) فرفعه ثم قال ((زد)) فزدت ... الحديث
[رواه مسلم (5/14) طبعة دار الريان للتراث ] .

وقالوا مع ذلك :
الإسبال مظنة للخيلاء ، وذريعة إليها ، وهو إسراف ولو كان بغير قصد ، والإسبال يسبب في تعلق النجسات .

القول الثاني : أن ذلك مكروه كراهة تنزيه .
وهذا مذهب الحنفية [الفتاوى الهندية (5/333) طبعة دار الفكر] ، ومذهب المالكية [المنتقى شرح الموطأ (7/226) طبعة دار الكتاب العربي] ، ومذهب الشافعية [المجموع (4/454) طبعة دار الفكر ، ومغني المحتاج (1/309) طبعة دار الفكر] ، ومذهب الحنابلة [المغني (2/298) طبعة دار الهجرة ، والآداب الشرعية (3/521) طبعة مكتبة ابن تيمية] .

واستدلوا :
إستدل أصحاب هذا القول بالأحاديث التي استدل بها أصحاب القول الأول ، ولكن اختلفوا في تفسير الأمر ، حيث قالوا إن الأمر برفع الإزار للاستحباب ، وليس للوجوب .
ودليلهم في تفسير ذلك أنهم حملوا النصوص التي فيها النهي عن الإسبال مُطلقاً على النصوص المقيدة لذلك بحال الخيلاء .
واستدلوا بما يلي :
1. حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)) فقال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((لست ممن يصنعه خيلاء))
[رواه البخاري في صحيحه (3/96) (5783) كتاب اللباس ، باب من جر إزاره من غير خيلاء ، طبعة مكتبة الصفا ، ومسلم (5/14) (2085) كتاب الزينة واللباس ، باب تحريم جر الثوب خيلاء ، طبعة دار الريان للتراث ، ومالك في الموطأ (1648) (ص537) كتاب اللباس ، باب ما جاء في إسبال الرجل ثوبه ، طبعة مكتبة الصفا ، والنسائي في سننه (5338) (ص844) كتاب الزينة ، التغليظ في جر الإزار ، طبعة دار الكتب العلمية] .
فالشاهد من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر ((لست ممن يصنعه خيلاء)) تصريح بأن الوعيد المذكور إنما هو مختص بمن يفعل ذلك على وجه الخيلاء .
فإذاً يدل على أن الإسبال لغير الخيلاء غير محرم .
2. ما جاء عن عبد الله بن مسعود أنه كان يُسبل إزاره ، فقيل له في ذلك فقال إني رجل حمش الساقين .
[رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (6/27) طبعة دار الفكر ، وصححه ابن حجر في فتح الباري (10/264) طبعة دار الفكر] .

مناقشة الأدلة :
أما أدلة القول الأول فهي صريحة قوية صحيحة ، خاليه من الإعترضات .
أما أدلة القول الثاني فهي ضعيفة لا تسعف للإستدلال ...
وذلك لآن استدلالاهم بحديث إبن عمر رضي الله عنه ، وحجتهم بما قاله أبو بكر رضي الله عنه .
فالرد على ذلك :
إن أبو بكر رضي الله عنه قال (إن أحد شقي يسترخي) ولم يقل (إن إزاري جعلته طويلاً) وكذلك قوله (إلا أن أتعاهد ذلك منه) فهذا يدلُ على أن أبا بكر لم يكن يقصد استرخاء الإزار .

وكذلك الإستدلال بما جاء عن ابن مسعود فهذا محمول على أن إسباله كان زيادة على المستحب ، أي زيادة على نصف الساق ، ولا يُظن أنه جاوز به الكعبين .
[راجع فتح الباري (10/264) طبعة دار الفكر] .

الملخص مما ذكرنا :

يتلخص لنا مما ذكرنا أن الراجح في المسألة هو القول الأول القائل بالتحريم .

يقول الشيخ ابن عثيمين :
\"والصحيح أنه (الإسبال) حرام سواءً كان للخيلاء أم اغير الخيلاء\"
[شرح رياض الصالحين (2/476) طبعة مكتبة الصفا] .

واللــه تعالى أعلم.